علم الاجتماع. فلسفة وأهم الاسس التي يعتمدها في دراسته

أولا لنعرف علم الاجتماع بإيجاز؟

هو العلم  الذي نقوم من خلاله بدراسة الحياة الاجتماعية للبشرِ، سواء الأفراد وسلوكياتهم ، أو الجماعات وسلوكياتها, أو المجتمعات، وأيضا من خلاله نقوم بدراسة السلوكيات الاجتماعية. ويعرف علم الاجتماع, كعلم أكاديمي حديث  نسبياً, و تطور في أوائل القرن التاسع عشرِ ويهتم بالقواعد والعمليات الاجتماعية التي تربط وتفصل بين البشر ليس كأفراد فقط، لكن كأعضاء جمعيات ومجموعات ومؤسسات.

بهذه الكلمات البسيطة نكون قد عرفنا علم الاجتماع بمفهومه العام , لكن دائما هناك وراء مثل هذه العلوم وتعريفاتها ما يحتاج الإنسان للولوج في أعماقه ليستطيع فهم تفاصيل هذه العلوم ولماذا وجدت وما هي نتائج مثل هذه العلوم ودراستها على سلوكيات البشر, من حيث التقييم وتقويم هذه السلوكيات, وأيضا ما هي الفوائد التي تعود بصوره مباشرة على المجتمعات التي يوجد فيها من يدرس مثل هذه العلوم البحثية الاستنتاجية من خلال سلوكيات المجتمعات, حيث أن نتائج هذه الدراسات تعود بفضائل من خلال تقييم سلوكيات المجتمع الخاضع لمثل هذه الدراسة , ذلك من خلال أعادة وضع قواعد وسلوكيات تعيد تأهيل أفراد المجتمع منذ الصغر الى أن يصبحوا في مراكز قيادة المجتمع وإدارة شؤون حياته , وهذا ما يجعل سلوكيات المجتمع تتجه نحو الارتقاء بالإنسان وأيضا من خلال دراسة سلوكياته تقيمها وتقويمها , وأيضا أخلاقياته , وأيضا تحثه على الانفصال عن السعي الحثيث وراء الآنا , ليكون سعيه متشارك مع بقية أفراد مجتمعه لجعله مجتمع أنساني أخلاقي.

 والآن دعوني أقول في سياق هذا السرد البياني حول مفهوم علم الاجتماع, بأنني أحاول الابتعاد عن مصطلحات هذا العلم كفلسفة بحثية عميقة, والاقتراب قدر الإمكان من تبسيط مثل هذه المفاهيم وتعريفها بلغة العامة ليسهل فهمها وتداركها وأيضا أيجاد فسحات حوارية حول هذا العلم لأن مجرد الإطلاع على تفاصيله يجعل من نفسه لغة نقاش وحوار بين عامة الناس, وهذا حكما لا جدلا سيعود بالفائدة على كل مستمع ومناقش ومحاور.

ولهذا سنختصر تفاصيل هذا العلم ونقول بأن الإنسان الفرد منذ الولادة يبدأ بتكوين معرفته حول نفسه أولا وهذا التكوين يكون خاضع للاوعي الإنسان , ومن ثم يبدأ بعد سنواته الاولى بتكوين وعيه المتدارك, أي أنه يستطيع التمييز بين ما هو مفيد له فيتعلمه وما هو غير مفيد فيبتعد عنه من حيث السلوك أتكلم, وهذا مثال بسيط نعتبره بيان تعريفي لسلوكيات الإنسان وما قصدته هنا الأصل , لمعلومة مهمه وتعتبر أساس في علم الاجتماع (أن الإنسان ابن بيئته), حيث أنه في سن المراهقة وما بعدة , بأن كل ما يقوم به من سلوكيات تجاه نفسه ودائرته الضيقة من الاصدقاء والمعارف وأيضا مجتمعه الذي هو جزء منه , هي المنعكسات السلوكية التي أكتسبها من بيئته ومحيطه ومجتمعه , أي أنه مرآة المجتمع.

_ في هذا التوضيح لمن يحاول التبحر أكثر والبحث عن الولوج أكثر في المعرفة حول كيفية تكوين الإنسان الفرد في سلوكياته وأخلاقياته وأيضا عقيدته وانتمائه المجتمعي, عليك بدراسة ( علم النفس التكويني ) ستجد هناك ما تبحث عنه .

_ وأيضا لدراسة سلوكيات الإنسان حول الآخر وجماعته والمجتمع الذي يعيش فيه عليك بدراسة (علم النفس التطوري)

ففي دراسة هذا العلم من المؤكد أنك ستجد ما تبحث عنه من حيث التطور الفكري والسلوكي والأخلاقي للإنسان.

وفي هذا التقديم البسيط وبعد استدراك الباحث لطبية دراسة الإنسان , سيكون من السهل عليك استيعاب مفاهيم علم الاجتماع ونظرياته التي قد تكون نوعا ما تحمل طابع الفلسفة المركبة والمحملة بمصطلحات دلالية من عدة مراجع ولعدد من الباحثين في علم الاجتماع وفلاسفته. حيث أن الجميع يدرس في علم الاجتماع سلوكيات المجتمع , كلا من وجهته الخاصة وحسب ما يفسر ويستنتج من سلوكيات قام بدراستها, لكن النتيجة تصب في محصلة علم الاجتماع .

_فهناك من علماء الاجتماع من درس سلوكيات مجتمعات أصبحت من الماضي وذلك من خلال دراسة تاريخهم.

وأيضا هناك علماء اجتماع توقفت دراستهم على سلوكيات بعض المجتمعات قبل الحرب العالمية الثانية , وأيضا خلالها , وأيضا ما بعدها , وذلك للولوج في طابع التأثيرات التي طرأت على سلوكيات هذه المجتمعات , التي كانت في الماضي شيء , وأنها تغيرت الى سلوكيات وأخلاقيات مختلفة أثناء الحرب , وبنفس الوقت دراسة سلوكيات هذه المجتمعات ما بعد الحرب وكيف طورت هذه المجتمعات من سلوكياتها وحاولت أن تنفث غبار تأثيرات الحرب التي تركت وخلفت ما جعلهم في بعض الأحيان يسلكون سلوكيات لا ترقى لسلوك الحيوانات المفترسة , وكل هذا أعتبره توضيح بسيط حول بعض مفاهيم هذا العلم وبعض النوافذ التي قد يسلكها الباحث عن المعرفة في علم الاجتماع .

_أيضا من صلب دراسة علم الاجتماع, النظام الأسري الذي هو الأساس في تشكيل أي مجتمع , وفي هذه الدراسة يفسر علماء الاجتماع كيفية تشكل السلوك الاسري وعلى ماذا أعتمد في تشكيل السلوك الذي هو نواة السلوك المجتمعي الشامل , وتعتبر سلوكيات الاسرة من أهم الركائز التي يعتمدها علماء الاجتماع في بنائهم المعرفي حول المجتمع من حيث سلوكياته واخلاقياته ومبادئه في أدارة ذاته , ومنها يستشف علماء الاجتماع أسس ومبادئ مؤلفاتهم التي في محصلتها تعتبر المراجع العامة التي يعود اليها الباحثين والاطباء النفسيين وأيضا السياسيين والنظم الحاكمة.

_كما أن علم الاجتماع يقوم بدراسة سلوكيات الانظمة الحاكمة وكيفية أدارتهم للمجتمع الذي يحكمون , بما في ذلك ادارة الثروات التي تعتبر هي حقوق لهذا المجتمع , وأيضا اذا كانت سلوكيات الحكومة سوية وعادله , يقومون بدراسة النتائج التي تنطبق على المجتمع وما هي النتائج التي تعتبر قيم هذا المجتمع القابع تحت وصاية هذا النظام الحاكم .

كما أن علم الاجتماع يقوم بدراسة سلوكيات أنظمة الحكم الفاسدة وسلوكيات السياسيين القائمين على ادارة مجتمع ما وما هي النتائج والسلوكيات التي يسلكها هذا المجتمع والتي تعتبر نتيجة حتميه لفساد النظام الحاكم وانحراف سلوكياته.

كما أن علم الاجتماع يدرس بعض التفاصيل التي تنتشر في أوساط المجتمع والتي هي نتيجة سلوك النظام الحاكم , مثل البطالة بين فئات المجتمع , ويدرس تفاصيلها وأسباب وجودها , ومن ثم يقوم بدراسة تفاصل نتائجها والسلوكيات التي يسلكها المجتمع , لأن البطالة تعتبر أحد الأسباب الرئيسة في فقدان الهدف المحدد الذي يعتبر الموجه الرئيس في سلوكيات أفراد المجتمع , لأن البطالة تعتبر لبنة السلوك الغير متزن والغير سوي الذي يضطر فئة الشباب لسلوكه كي يتمكنوا من توفير ما يحتاجونه من أدنى مقومات الحياة.

كما أن علم الاجتماع يقوم بدراسة سلوك الجماعات المنظمة وتأثيرها وكيفية رواج أفكارها ولماذا يتبناها الشباب في بعض المجتمعات ويعتبرها دستوره السلوكي ومقام مسيرة الفكري والنفسي , ولنا العديد من الامثلة على مثل هذه الجماعات , كالحركات العنصرية في أميركا , وأيضا الجماعات الاسلامية كجماعة الاخوان المسلمين , والجماعات الجهادية مثل حركة بوكو حرام , وحركة طالبان, والجماعات الصهيونية, وكل هذه الجماعات والحركات لم تكن موجوده في الاصل وانما تشكلت ونشأت, ولهذه النشأة أسباب مباشرة وأيضا وغير مباشرة, تعتبر النواة التي من خلالها تشكلت هذه الجماعات والحركات, لهذا تعتبر دراسة هذه السلوكيات والجماعات والحركات من صلب دراسة علم الاجتماع والاسترسال في دراستها الى أن يتوصل الى قلب الدافع الرئيس الذي كان السبب المباشر لتشكل كل من هذه الجماعات والحركات.

_ كما أن علم الاجتماع يدرس الفقر المجتمعي ونتائجه على المجتمع من حيث السلوكيات التي قد يكون الفقر هو السبب الرئيس في تشكل بعضها.

وأيضا يدرس علم الاجتماع جماعات الجريمة المنظمة وسلوكياتها وكيفية تشكلها وآثارها على المجتمع, التي قد تصل درجة خطورتها لدرجة التفتيت المجتمعي والقتل المباشر والجريمة المنظمة والمخدرات , وكل هذه السلوكيات التي تسلكها عصابات الجريمة المنظمة لم تكن موجودة في نسيج المجتمع المضيف وانما هناك اسباب كانت اللبنة الرئيسة في تشكل هذه الجماعات والعصابات التي قد تكون السبب في عزل هذا المجتمع عن محيطه وأيضا أضعاف قبضة النظام الحاكم وخروج المجتمع من تحت قبضة القانون لأن مثل هذه العصابات تعتمد في سلوكياتها النسق الاجرامي بالتهديد المباشر بالقتل دون الالتفات الى مكانة الشخص المجتمعية سواء كان رئيس او وزير او قاضي أو رجل قانون .

ولدينا أمثله حية على مثل هذه الجماعات من عصابات الجريمة المنظمة , كعصابة لوس زيتاس, وعصابة 14k الثلاثية في هونغ كونغ , وعصابة مارا سلفاتروشا , والكثير منها المنتشرة في العديد من دول العالم .

حيث تعتبر دراسة سلوكيات مثل هذه الجماعات والعصابات من صلب دراسة علم الاجتماع , الذي يقوم بدراسة بنيتها الأساسية التي كانت السبب الرئيس في تشكلها وأيضا بدراسة سلوكيات أفرادها وعائلات أفاردها وطريقة عيشهم وتأثيرهم المباشر على المجتمع المضيف , وكيفية تأثيرهم على حياة المجتمع وسلوكياته .

وفي الختام أذكر بعض أهم علماء الاجتماع , ومنهم ابن خلدون في مقدمته الشهيرة التي تعتبر المرجع الرئيس في علم الاجتماع وأيضا تعتبر مرجع لعلماء الاجتماع في الدول الغربية حيث يعتبرون مقدمة ابن خلدون القاعدة الرئيسة في نشأة علم الاجتماع, كما ان هناك أوغست كونت , وأيضا هيربرت سبينسر , وغيرهم الكثير , لذلك سأنهي هذا التوضيح التعريفي لعمل الاجتماع .

مع تمنياتي للجميع بالتوفيق وتحقيق ما تطمحون لتحقيقه

دمتم بخير وليعم السلام بلاد وشعوب العالم .

أسامه حريدين \ Osama Hreden