عبادة الذات.الذات والأسرة . الفرد المعزول

من الواضح أن مفاهيم وقيم الذاتانية لا تساعد على تكوين علاقات شخصية دائمة ولا على الحفاظ عليها, كما أنها لا تقدر قيما مثل الواجب والصبر والتضحية بالنفس.

وهناك أسباب عديدة للاعتقاد بأن انتشار الفلسفة الأنانية في المجتمع قد ساهم بشكل كبير في تدمير العائلات, وليس من قبيل المصادفة أن العديد من القصص في الأدب الذاتي تدور حول أشخاص في صراع مع أزواجهم أو آبائهم حول هدف محدد ذاتيا, وتنحاز الأدبيات الذاتانية بانتظام رتيب إلى القيم التي تشجع على الطلاق, أو الانفصال أو فسخ الروابط الزوجية أو الأسرية, وكل هذا يأتي باسم النمو والاستقلالية واستمرار التغيير أو باسم التجديد.

ولعلي أجادل هنا بأن التدمير الاجتماعي لكثير من العلاج النفسي اليوم يمكن أن يعزى إلى خصائص عملية العلاج نفسها, فبالرغم من أن علماء النفس يفترضون أن السمات الاجتماعية أو الشخصية هي المسؤولة عندما, على سبيل المثال, ينتهي زواج العميل بالطلاق وتبدأ المشكلة بانشغال العلاج النفسي العصابي بالمريض على حدة وينعكس هذا في غياب إشراك الأبناء والزوجة والوالدين وغيرهم أثناء عملية العلاج. ويميل المعالجون إلى التماهي بقوة مع مرضاهم, كما هو الحال في العلاقة التقليدية بين المحامين والعملاء, ومع ذلك لا توجد في العلاج النفسي ما يشبه حقيقة أن جميع الأطراف الرئيسة المعنية في العلاقة القانونية لها يوم المحكمة, أي أن لكل طرف فرصة للتعبير عن جانبه.

إن الإفراط في الاقتراب من المرضى والثقة المفرطة بهم, أحد مشاكل العلاج النفسي منذ البداية, وأحد الأمثلة الأكثر شهرة هو اعتقاد فرويد المبكر بأن قصص مرضاه عن تعرضهم للاعتداء الجنسي في الطفولة كانت في الواقع صحيحة دائما, وقد دهش عندما علم عبر معلومات خارجية أن أغلب هذه القصص كانت غير صحيحة.

وعادة يمكن للمعالج ذي الخبرة الذي يعرف خافية المريض وربما يكون على دراية ببعض أفراد الأسرة الآخرين أن يصحح مثل هذه التحريفات, خاصة إذا تطورت علاقة الانتقال ( بمعنى آخر إذا بدأ المريض في التواصل مع المعالج كما لو كان الأب أو الأم ) ويكشف تحليل الانتقال عن كيفية تحريف المريض لطبيعة العلاقات الشخصية, مما يسمح للمعالج بأخذ هذه التحريفات في الاعتبار.

وعلى النقيض من ذلك في العلاج قصير المدى يركز على العميل, حين يكون الطرفان عادة غريبين عن بعضهما تماما, وحين يكون العلاج موجها من المريض, فنادرا ما يناقش تفسير المريض للحقائق, وحيث تكون الثقة الكاملة مطلوبة حسب مبادئ العقيدة النظرية, وحيث يمكن بالكاد حصول الانتقال, فعندها يوجد ميل كبير لقبول رواية المريض للأحداث دون تمحيص.

ويبدو أن هذه الضغوط في العلاج تميل إلى الانحياز إلى القيم المعادية للأسرة, وتتفاقم أكثر بسبب النسبة العالية من المعالجين النفسيين الذين هم أنفسهم مطلقون أو معزولون عن عائلاتهم ودياناتهم التقليدية, فيكون لدى هؤلاء المعالجين رغبة إنسانية طبيعية للتأكد الاجتماعي لنمط حياتهم الخاص, وبالتالي قد يصبحون أكثر ميلا لتشجيع مثل هذا النمط لدى الآخرين.

ومن الشائع أن يتخيل الأطفال الصغار أنهم عاشوا قصصا سمعوها من الآخرين أو أشياء شاهدوها في التلفزيون أو في الأفلام, علاوة على ذلك, غالبا ما تتضمن ذكريات أحداث الطفولة التي تستعاد بعد سنوات من الحدث بين الأشخاص والأماكن.

وفي الواقع يعتقد العديد من علماء النفس أن جميع ذكريات الكبار عن الطفولة لا يمكن الاعتماد عليها إطلاقا , وربما تستحضر في المقام الأول عبر دوافع الشخص أو معالج الشخص في وقت استعادتها.

وغالبا ما تكون هذه الدوافع نتيجة ضغط معالج ملتزم نظريا بإيجاد إساءة معاملة وراء كل ذكرى طفولة, وفي الآونة الأخيرة اعترف عدد من المرضى باختلاق ذكريات إساءة معاملتهم كأطفال تحت ضغط المعالجين, ولا شك في أن العديد من المرضى سيظهرون في السنوات المقبلة, حتى أن هناك جمعيات مكرسة للدفاع عن الوالدين ضد الاتهامات الباطلة من قبل أطفالهم (وغيرهم).

النظرية الذاتانية والطلاق:

يعطي العديد من أصحاب النظريات الذاتانية وخاصة كارل روجرز, قيمة ضئيلة جدا للزواج ويشجعون بالفعل على الطلاق على أسس نظرية, ولقد لفت منطق روجرز انتباه والاش, وسألخص أهم النقاط هنا . يقول روجرز إن العلاقة بين الرجل والمرأة مهمة وتستحق محاولة الحفاظ عليها, فقط عندما تكون تجربة معززة ومتنامية لكل منهما, ولاحظ والاش الفردية المتطرفة لهذا الموقف وتساءلا بحق, ما الذي يحدث عندما يمرض أحد الشركاء على سبيل المثال.

وقد يتساءل المرء أيضا, وماذا عن الأطفال؟ نحن نعلم الآن أن الطلاق يلحق خسائر فادحة بالأطفال, وتشير الأدلة العلمية المعتبرة إلى أن ما يصل إلى ثلث أطفال الطلاق لا يتعافون أبدا من الناحية النفسية.\

ولسوء الحظ, كان ثمن تحقيق العديد من الوالدين لذواتهم تدمير أطفالهم, إن المفهوم الكامل للزواج الذي ينطوي على الالتزام قفز عليه بفكرة مفادها, أن شخصا ما بمجرد أن يقرر بشكل صحيح أو غير صحيح أن تحقيقه لذاته أو تحقيقها لذاتها يتأثر, فعندها قد حان الوقت للمغادرة.

ومن الواضح أن طفرة الطلاق التي في أميركا في الستينيات وبلغت ذروتها في أوائل الثمانينيات تدين بالكثير لهذا النوع من التفكير, وبالنسبة لمئات الآلاف من الأطفال الأميركيين, يمكن النظر إلى الطلاق على أنه شكل من أشكال إساءة معاملة الأطفال, وربما يمكننا تلخيص كل هذا بشكل أفضل عبر الإشارة إلى أن مفهوم روجرز للزواج أوجد تعبيرا شائعا مفاده أن الزواج, التزام غير ملزم, والالتزام غير الملزم تناقض صارخ في المصطلحات, أنه أمر سخيف مثل القول بوجود مربع دائري.

الوالدان كمصدر لمشاكلنا:

تتفاقم آثار الذاتانية المعادية للأسرة بسبب التحيز النظري الشديد ضد الوالدين في مدارس العلاج النفسي المختلفة, وقد وجد هذا ضد الوالدين في مدارس العلاج النفسي المختلفة, وقد وجد هذا التحيز منذ البداية مع فرضية فرويد حول عقدة أوديب, أن الكراهية الشديدة بين الأب والابن والتي تظهر لأول مرة لدى الطفل في سن الرابعة هي التجربة الأساسية العامة في تكوين الشخصية الذكورية, ولكن ما الذي فعله الأب لاستحقاق هذه الكراهية؟ هذا ليس واضحا بشكل مفهوم, ويبدو أن جرائمه أنه زوج أم الطفل وأنه شخص بالغ. ويمكن تحييد عداء أوديب عبر وسائل مختلفة, مثل الخوف ولكن بالنسبة للكثيرين, من المفترض أن تبقى نشطة طوال الحياة, وتعتبر دائما قابلة لإعادة التنشيط, وأيضا لا يوجد تأكيد مماثل على حب الأب عند فرويد ولا في العلاج الذاتي, بالرغم من أن الدليل على هذا الحب أوضح من الشمس في رابعة النهار.

وفي الآونة الأخيرة تحول الانشغال النظري إلى الأم التي كانت تحت وابل قصف مفاهيمي حقيقي لكونها مهيمنة, متحكمة, متلاعبة , عاطفية, فلذلك حتى الأم الحديثة لم تسلم أيضا.

وفي حالة كلا الوالدين, حان الوقت لتسمية هذه التفسيرات باسمها الحقيقي, وهو نوع جديد من تحيز قديم يعرف باسم كبش الفداء, فمتى تكون النظرية النفسية صادقة وشاملة بما يكفي للسماح لنا جميعا بقبول أن الخطأ ليس في آبائنا ولكن في أنفسنا, ولا يزال من الممكن العثور على شبح عقدة أوديب والأم السيئة في تحليل المعاملات, حيث يدمج الأب والأم في حالة الآنا التي تسمى الوالد.

في كتاب أنا بخير, أنت بخير, على سبيل المثال, ليس هناك شك في أن الوالد بالرغم من وجود بعض الخصائص الجيدة, ينظر إلية على أنه السبب الرئيس لمشاكلنا.

ويوصف الطفل بأنه هش, ولكن ما عدا ذلك فهو بريء وسعيد وصالح, تأمل هذا المقطع على سبيل المثال.

قال إيمرسون , يجب أن نعرف كيف نقدر تأثير نظرة بغيضة, ولكن الطفل لا يعرف كيف يفعل هذا, فيمكن أن يؤدي نظرة بغيضة نحوه إلى مشاعر تضيف إلى مخزونة من الأفكار السلبية عن نفسه, فيلوم نفسه ويقول هذا خطئي مرة أخرى وسيبقى دوما خطئي أنا, ويستمر في عالم بلا نهاية من الأفكار السلبية.

وخلال هذا الوقت من شعوره بالعجز, هناك عدد لا حصر له من المطالب مفروضة على الطفل, فمن ناحية لدية الرغبة في الاستكشاف, والمعرفة والحركة والضرب والتعبير عن المشاعر وتجربة كل الاحاسيس الممتعة المرتبطة بالحركة والاكتشاف, ومن ناحية أخرى, هناك طلب مستمر من البيئة المحيطة وخاصة الوالدين للتخلي عن هذا الاشباع الأساسي مقابل الحصول على استحسان الوالدين, وهذا الاستحسان الذي يمكن أن يختفي بالسرعة التي ظهر بها, يبقى لغزا لا يستطيع الطفل سبر أغواره, فالطفل لم يتعلم الربط بعد بين السبب والنتيجة.

فالمحصلة البارزة إذن هي المشاعر السلبية, ولكن هناك جانب مشرق أيضا, ففي الطفل أيضا مخزن كبير للأفكار الإيجابية, وفيه يكمن الإبداع, والفضول والرغبة في الاستكشاف والمعرفة والحث على الشعور والتجربة وتسجيل المشاعر البكر للاكتشافات الأولى.

وتسجل تجارب لا تعد ولا تحصى عند الطفل, والاحتفاء بالكثير من اللحظات الأولى في حياة الشخص الصغير, مثل أول رضعة من الأم وأول مرة يشرب من خرطوم الحديقة وأول لعب مع القطة وأول مرة يدير المفتاح لينير فيها المصباح. وهذه الأسطورة هن الطفل الخير والسعيد بطبيعته(تذكر افتراض ماسلو المماثل) وكل التأثيرات السلبية تأتي جميعها من الخارج هي شكل من أشكال العاطفة البالغة السذاجة, ففي الواقع يقدم الوالدان والمجتمع مجموعة كاملة من التأثيرات الإيجابية مثل الحب والطعام والموسيقى ورفقاء اللعب والرقص والحضانة والألعاب والسفر والحرف اليدوية والقصص, ومثل هذه الأشياء لا تمنح الطفل فرحا كبيرا فحسب, وإنما تشكل الأنشطة العامة والإيجابية التي تحافظ على الحياة اليومية للطفل العادي, ولكن لم يرد ذكر أي من هذه التجارب. وفي المقابل لم تؤخذ التجارب السلبية التي يفعلها الطفل بنفسه وهي جوهرية في الطبيعة البشرية منذ البداية, في الاعتبار مثل أول غيرة لطفل عمره عام واحد والكراهية الأولى, التي يعبر عنها عبر ضرب طفل آخر,(الأنشطة التي يبدو أن الأطفال يتمتعون بها بقدر ما يتمتع بها البالغون) والسهولة التي يتعلم بها الأطفال مفهوم, ملكي أنا , والصعوبة التي يواجهونها في تعلم مفهوم بك, وكذلك التركيز الشديد على الذات لدى الأطفال, وقدرتهم الفائقة على أن يصبحوا عنيدين متطلبين, فكل هذا قوبل بالتجاهل. إن الجهود التي يبذلها الآباء والمعلمون لمساعدة الأطفال على المشاركة واللعب الجماعي والتعاون وما إلى ذلك هي تجسيد للقدرة السلبية للأطفال والتأثير الإيجابي الطبعي للوالدين والمجتمع, وعلى النقيض من ذلك, يرى تحليل المعاملات أن الطفل هو مستودع للمشاعر السلبية التي يسببها الوالدان, وتشبه التجارب السلبية بالتسجيلات التي تعاد باستمرار لاحقا في الحياة.

وللهروب من الوقوع في فخ هذا الماضي الرهيب الناجم عن الوالدين, يقدم هاريس حالة أنا ثالثة للجنسين تسمى البالغون ويبدأ البالغ في التطور على النحو التالي: وجد الطفل البالغ من العمر عشرة أشهر أنه قادر على فعل شيء ينبع من وعيه وفكره الأصلي, وهذا الإدراك هو بداية ظهور البالغ , وتتراكم بيانات البلغين, كنتيجة لقدرة الطفل على أن يكتشف بنفسه ما هو مختلف في الحياة من المفاهيم التي علمها إياه والده عن المفاهيم التي أحسها بنفسه.

ويوصف هذا الإدراك (تحقيق الذات) بأنه نوع من العمليات الحاسوبية الرائعة, فالبالغ يهتم بشكل أساسي بتحويل المحفزات إلى أجزاء من المعلومات, ومعالجة تلك المعلومات وحفظها على أساس الخبرة السابقة.

فالبالغ هنا عبارة عن جهاز كمبيوتر لمعالجة البيانات والذي يتخذ القرارات بعد حساب المعلومات من ثلاث مصادر. الوالد والطفل والبيانات التي جمعها.

وكما قد يتوقع المرء فإن الإبداع ليس له علاقة بالوالد , ولكنه ينشأ من فضول الطفل الطبيعي ويطور بواسطة الكبار, فبينما يقدم الطفل , الرغبة في , يقدم البالغ , كيف , عن طريق الكمبيوتر وهو الطلب الأساسي للإبداع ولعل من المثير للاهتمام أن الفضول يعتبر دافعا إيجابيا تماما, وأهملت علاقته الأساسية بالعدائية والعنف, باختصار فإن الحبكة الأساسية للمسرحية الأخلاقية لتحليل المعاملات هي أن الطفل المسكين الذي لا حول له ولا قوة, ولكنه في جوهر سعيد, خير, ومبدع , مثقل بالوالد العجوز اللئيم ويمكن إنقاذه من خسارة لعبة الحياة بتحقيق الذات عن طريق كمبيوتر معالجة المعلومات الذي يسمى ,(البالغ).

مقتبس من كتاب علم النفس دينا. مبدأ عبادة الذات .

بالعلم تحيا الأمم وتسموا لغة السلام بين البشر

أسامة حريدين \ Osama Hreden

3 أفكار عن “عبادة الذات.الذات والأسرة . الفرد المعزول”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *