العقل البشري . سياسات الخوف
الخوف يعتبر من أشد أنواع الصراع الذاتي الذي يعيشه الإنسان , صراع النفس ومغالبة اللامنطقي في تصرفاته تجاه أخيه الانسان وأيضا صراعة ضد شهواته ونوازعه النفسية السلطوية منها والغرائزية والرغبوية ايضا , كل هذه صراعات يعيشها الانسان الفرد من لحظة وعيه بذاته والى ما شاء الله له ان يعيش, وأيضا صراع الاخضاع والسيطرة , كل هذا يحركه دافع واحد بين جميع بني البشر ,أنه الخوف . هذا المخلوق الذي لا نراه ولا نستطيع أنكار وجوده ان حظرّ , وأيضا هو لا يأتي فارضا نفسة علينا بالقوة وانما يستخدمه من يعتقدون أنهم خارج دائرة سيطرة الخوف ليجعلوه السياط في أيديهم التي يمارسون فيها أجبار العامة على الخضوع لسلطانهم وحكمهم وقسوة جلاديهم . هذا هو الخوف الذي ما أن تسرب بين عامة الناس أفقدهم جزء من توازنهم أفقدهم القدرة على التفاعل مع الحياة بنظامها الطبيعي , الخوف الذي يفقد الجماهير وحدة الرأي والكلمة , الخوف الذي يجعل الإنسان يقتل أخاه الانسان , ومهما حاولنا الولوج بخصائص ونتائج هذا السلاح القاتل لكل شيء يخص الانسان سيجعلنا نحن نفقد ذواتنا ونحن نصفه ,لأنه لا يوجد أنسان لا يخاف حتى الجبابرة من الخلق سيأتي عليهم لحظه من الخوف ستعادل ملايين المرات التي اعتقدوا بجبروتهم أنها لن تأتي , لكن لحظة الحقيقة ومن خلال عيشهم لحياتهم وهم ينكرونها أتت , أنه سلطان الموت ,هذه اللحظة التي لا يستطيع أي مخلوق أخافتها أو التخلص والفرار منها ,أنه جبروت الموت ,أنه الخوف الذي ما أن حل الا وعاد بالنهاية الأبدية لمن اتى لأجلهم.
سأعرج على بعض ما كتب آل جو في كتابة الهجوم على العقل البشري ووصفة لسياسة الخوف التي أتبعتها بعض الأنظمة السياسية من أجل اخضاع الشعوب , وكيفية استخدام هذه السياسة التي استطاعت أجبار الشعوب في العديد من دول العالم على الموافقة طوعا وكرها على سياسات النظام الحاكم لتلك البقعة الجغرافية , وأيضا قدرة تلك الأنظمة على إيجاد صيغ وأدوات متعددة لتمرير الخوف الى نفوس وقلوب الجماهير . حيث قال في أحد مقاطع الكتاب .
الخوف أقوى أعداء العقل ,والخوف والعقل جوهريان لحياة الانسان لكن العلاقة بينهما غير متوازنة , فقد يبدد العقل الخوف أحيانا لكن الخوف يغلق العقل دوما . وكما كتب إدموند بيرك في إنكلترا قبل عشرين عام من الثورة الأميركية (ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثره مثل الخوف )
كان مؤسسونا(مؤسسو الولايات المتحدة) يقدرون الى حد بعيد , التهديد الذي يفرضه الخوف على العقل. وقد عرفوا أن الخوف تحت ظروف مناسبة يمكن أن يثير إغراء التنازل عن الحرية مقابل وعد خطابي أجوف بالقوة والأمن .وكان ما يخشونه أنه عندما يحل الخوف محل العقل تكون النتيجة دوما بغضا وخلافا يفتقران الى العقلانية والمنطق وكما كتب جيتس لويس دي (كان الناس يخافون الساحرات فيحرقون النساء ) كان فهم هذه العلاقة غير المتكافئة بين الخوف والعقل أمرا جوهريا لتخطيط ( الحكم الذاتي الأميركي ). فقد رفض المؤسسون الديمقراطية المباشرة , خشية أن يطغى الخوف على التفكير التأملي. لكنهم اعتمدوا بشدة على قدرة (جماعة المواطنين الواعية ) على التفكير معا بأساليب من شأنها تقليص التأثير المدمر للمخاوف الوهمية المتضخمة المفرطة . كتب توماس باين في كتيبه (الذوق العام ) محذرا من أنه لم يكن على مؤسسينا المغامرة في الانتظار حتى يستولي بعض الخوف على خيال الشعب , مما قد يشوش عمليات التفكير لدية ( عندما يفكر المرء بعمق في حياة الإنسان المحفوفة بالمخاطر سيقتنع بأنه بلا شك من الاحكم والاسلم أن نصوغ دستورا خاصا بنا بأسلوب متأن هادئ قبل أن يخرج الأمر من أيدينا )
تنجح الأمم في تحديد شخصيتها الجوهرية بتحديها للمجهول والتغلب على الخوف أو قد نخفق , ويتوقف ذلك على كفاءة زعاماتها فإذا استغل الزعماء مخاوف الشعب كي يسوقوا الناس في اتجاهات ربما لا يختارونها في ظروف أخرى فسرعان ما يتحول الخوف نفسة إلى قوة ذاتيه التولد منطلقة تستنزف الإرادة الوطنية وتصرف الانتباه عن التهديدات الحقيقية التي تستحق الخوف الصحي المناسب, وتثير الارتباك فيما يخص الخيارات الأساسية التي يجب على كل أمه تحديدها باستمرار لمستقبلها .
إن الزعامة تعني الإيحاء لنا بالتغلب على مخاوفنا, أما (الديماجوجيه) الغوغائية تعني استغلال مخاوفنا لتحقيق مكاسب سياسية ,وهناك فرق شاسع بين الإثنين.
كان الخوف والقلق دوما جزءا من الحياة و سيظلان كذلك. فالخوف موجود بصفة دائمة وعامة في كل مجتمع بشري, وهو جزء طبيعي في الحالة الإنسانية, و كان دوما عدوا للعقل. وقد كتب الفيلسوف ومعلم فن الخطابة الروماني لاكتانتيوس (الخوف والحكمة لا يجتمعان في مكان واحد) كنا نعرف التقدم دوما بنجاحنا في التغلب على مخاوفنا. فكريستوفر كولومبس وآخرين جميعهم وجدوا النجاح بتحديهم للمجهول, وتجاوز مخاوفهم بالشجاعة وحسن التقدير الذي ساعدهم على التمييز بين مخاوف مشروعة فسيطروا عليها ومخاوف وهميه محرفة لم تلههم عن تحقيق أهدافهم .
ثم يعود ليقول لقد واجه مؤسسونا ( الولايات المتحدة الامريكية) تهديدات رهيبة, فلو انهم اخفقوا في مساعيهم لشنقوا بوصفهم خونة , فقد تعرض وجود دولتنا نفسه للخطر لكنهم وبرغم وطأة هذه المخاطر صمموا على إقرار الحريات التي تحولت الى اعلان الحقوق. فهل يتعرض أعضاء الكونجرس اليوم لأخطار أكبر من تلك التي تعرض لها أجدادهم, حينما كان الجيش الإنكليزي يزحف الى مبنى الكونجرس الأمريكي (الكابيتول).هل الأخطار التي نواجهها الآن أشد مما أدت بفرانكلين ديلانو روزفيلت الى تذكيرنا بعبارته الشهيرة, وهي (الشيء الوحيد الذي ينبغي الخوف منه هو الخوف ذاته) هل تتعرض أميركا حاليا لخطر أكبر مما تعرضت له حينما واجهنا الفاشية المنتشرة والمتنامية في أرجاء العالم وعندما حارب آباؤنا في حرب عالمية على جبهتين في آن واحد وانتصروا.هل العالم أشد خطورة مما كان حين واجهنا عدوا عقائديا (أيديولوجيا) يوجه آلافا من رؤوس الصواريخ التي يمكنها تدمير بلادنا في لحظة قبل خمسين عاما, عندما تسبب سباق التسلح النووي مع الإتحاد السوفيتي في تصعيد حدة التوتر في العالم, وكان المذهب الماكارثي يهدد حرياتنا في الوطن, قال الرئيس دواريت أيزنهاور لاحقا (كل من يتصرف على أساس أن الدفاع عن الحرية يتحقق بالقمع والريبة والخوف
فهو يقر مبدأ غريبا على أميركا) هنا نرى أنه يصف حالة الخوف التي كانت تلازم الآباء المؤسسون لهيكلية النظام الحالي في الولايات المتحدة الأميركية وكيف أن الخوف كان ملازما لهم طوال فترة الثورة والاستقلال من سلطة بريطانيا وقتها, لكن سواء كان هذا السرد الروائي يحمل طابع الصدق في كليته أو في جزء منه فهو ملهم جدا لباقي الشعوب التي تطمح للتغير في هيكلية أدارتها سياسيا وكيفية استخدام هذه السياسة من قبل بعض الأنظمة الحاكمة في الإدارة والتحكم الكلي في سلوكيات الجماهير وسلبها حرية الكلمة والاختيار والتعبير, هنا سأعود وأذكر أيضا بأن قصد الكاتب المقارنة بين طبائع المخاطر التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية منذ التأسيس ما بعد الثورة الى الحرب العالمية الثانية وهيكلية صراعهم مع السوفيت حينها والى وقتنا الحالي, فوصف المخاطر التي تتعرض لها أميركا أو النظام العالمي الحالي وكيف أنه يقول للإدارة الأميركية الحالية من الواجب علينا العودة للتأثر بسياسات الخوف, لأنه يصف الزعماء الذين على الجبهة المقابلة بأنهم غوغائيون يتمتعون في أثارة قلق الناس, لكي يقدموا أنفسهم على أنهم حماة الخائفين, وبات هذا جليا بسلوكيات بعض الزعماء في هذا العالم الذي يحكمه الجنون, أن بعض الزعماء وبعد استخدام كل أدوات الترهيب والخوف يعدون شعوبهم بعودة الامن مقابل التنازل عن الحرية وتحدث أستجابه وكان هذا في تلك الحقبة التي كان نظام الحكم لأي دولة هو المسيطر فعليا على كل شيء بما في ذلك الأدوات الإعلامية وبتنا نعلم جيدا في وقتنا الحالي كيف أستخدم النظام النازي هذه الآليه التي كانت تسقط جيوش وجبهات دون الدخول في حرب مباشرة وأنها فقط كانت تنقل الاحداث التي حصلت حقيقتا أثناء التحام الجيوش ومن ثم تطلق الشائعات التي كان يتناقلها أهل المدن التي ينوي الجيش النازي اقتحامها وبعد أن يتأكد من أن الشائعة التي أطلقها بدأت على لسان العامة من الناس, هنا يأمر الجيش المحيط بالمدينة بالتحرك و يتحرك الجيش بمرافقة الآلة الإعلامية فتسقط المدينة في يد النازيين , هي الحيلة التي أستخدمها الجيش النازي الى أن وصلت به الجرأة على غزو حليفة السوفيتي.
واذا اردنا تفسيرا منطقيا لما حصل سنقوم بالعروج الى بحث قام به علماء النفس, وهو دراسة الطريقة التي نتخذ بها القرارات (قراراتنا نحن سواء الافراد او الجماعات) ورغم وجود قدر كبير من الشك بأننا نتعامل مع شيء وهمي, لكن ما قالة علماء النفس أن البشر في حالة الخوف دوما ينشؤون طرقا مختصرة لتساعدهم على الخيارات المهمة. وأي خيار يقوم به الانسان يكون نتاج (موجهات التأثر) لأن الانسان عادتا يطلق أحكاما فجائية قائمة على ردود الأفعال الانفعالية, بدلا من اعطاء نفسة فرصة التفكير في كل الخيارات المتاحة بأسلوب منطقي ليحدد ما يختار بدقة.
دعونا نعود لنظام الولايات المتحدة حين اتخذت قرار الحرب في أفغانستان وتدمير العراق هل كانت مدفوعة بالخوف أم أن هناك من هندس هذه الحرب لتكون مظلتها الخوف الذي ستقوم الآلة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها أميركا بالدخول الى عقل كل مواطن أميركي لتسوق لفكرة الغزو من خلال تسويق الخوف من كل ما تم وصف هذه البلاد وأهلها به .
وفي كل ما سبق كنت أقول لنفسي أأقدم الخوف على أنه صفة فردية أم أنه صفه جماهرية أم هناك أنظمة حكم تخاف فعليا. الحقيقة أن الخوف يسكن الأرض بلا تنازل وهو أداة الافراد والجماعات والأنظمة وكلا يستخدمه حيث ما تقتضي حاجته له ثم يعيده الى سباته وللحظة احتياجه مرة أخرى, أي أنه سلاح بيد وعقل ونفس الانسان, لكن ما يبطل مفعول هذا السلاح الذي من الحق استخدامه أن لزم الامر, أيجاد معنى السلام الحقيقي الذي أن ساد العالم سيكون الخوف ليس سلاح رد قاسي وانما سلاح تحجيم ونبذ ومقاطعة وعدم تعامل, هكذا من الواجب أن يكون عالمنا, (أعلم أنني أحلم وأنني أتكلم وأكتب بمثالية زائدة) لكن ما المانع من الحلم بالسلام والحرية وإعطاء الانسان حقة وعيشة الكريم, نعم يا سادة العالم أنتم تحكموننا بالجنون والخوف ولهيب الصواريخ أنتم تستمتعون في صراخ آلامنا أنتم تريدوننا أن نكون وقود حروبكم وقودا لأحلامكم وقودا لجبروت عقولكم التي تاجها الجنون, هذا هو عالمنا وهذه العقول التي تحكمه وتدير شؤونه. وأخيرا يا سادة العالم خذوا ما شئتم من هذا العالم المليء بخيرات لا تنتهي ودعونا نعيش في سلام, السلام , السلام لغة أهل السماء والأرض .
دمتم بخير وجعل الله السلام هو السيد وهو المقام والمقام
أسامة حريدين
Great read with a touch of humor! For further details, check out: READ MORE. What are your thoughts?
Excellent article! I appreciate the thorough and thoughtful approach you took. For more details and related content, here’s a helpful link: LEARN MORE. Can’t wait to see the discussion unfold!
I thoroughly enjoyed this article. Its clear, concise, and thought-provoking. Anyone else have thoughts? Check out my profile for more interesting reads!