البحث عن الذات .
من قدر الإنسان أنه لم يختر خلقة ووجوده على هذه الأرض, لكن ما يمكنه من الاستمرار في حياته هو ذلك الدافع الخفي الذي لم يختر وقوده أيضا بما أنه وجد بدون رغبة أو موافقه منه فيتوجب على من أوجده أن يمده بدوافع الاستمرار في وجوده وحثه على الكفاح والبحث وصناعة سبل وقيم البقاء لتستمر حياته,
بين هذا وذاك من التفسيرات والكتب المؤلفة والتي أيضا جميع مضامينها تفسر وتشرح طبيعة الإنسان ومستحاثاته وتركيبته النفسية والروحية والعقلية وعلى ماذا يتوجب عليه الاستناد ليستطيع التعامل وتجاوز جميع معوقات نموه ونضجه الروحي والعقلي والنفسي ليتمكن من بناء ذاته والتي بطبيعة الحال ستكون هو, بكينونته وتركيبته المعقدة التي لا تحتاج سوى لبعض الاستقراء والأماني والرغبات, لكي يتوصل لدافع رئيس يمكنه من تحقيق ذاته, شيء مضحك جميع هذه التراكيب والتفسيرات الفلسفية المعقدة والمخترعة التي أوجدها العقل البشري ذاته لتصبح دساتير وضعية وقواعد سلوك تحتم على الإنسان الانسياق معها والتشبع الروحي والفكري بمضامينها لتكون المحصلة ذاك الانسان المصنع والمعلب فكريا ونفسيا.
نعم يا ساده كل ما توصلت إليه أنني بدأت بصوغ هذه الكلمات التي ما فتئ عقلي عن الكفاف في التفكير بها ولا يدعني أستقل بفكري دون أن يجعلني منخرطا ومحدثا بجميع هذه الأفكار التي كانت النتيجة أنها فارغة لا تستحق أن يفكر بها الإنسان, لأنه ببساطه الإنسان هو المخلوق المعقد البسيط, هو المخلوق الروحاني الشهواني, هو المخلوق الخير الشرير, هو المخلوق الحاكم المحكوم, هو المخلوق القاتل المقتول, هو المخلوق العادل الظالم, هو المخلوق المتسامح المتسلط, هو المخلوق الغير معلوم ماذا يريد ولماذا خلق أن لم يستدرك ذاته ويربطها بطبيعة خلقه وفكره وتأطيرها بالقيم الإلاهية التي يعلم جيدا أنه يتصل بها قسرا لا برضى منه, هذا هو الإنسان وجد ووجدت معه قيم يتوجب علية أن يتبعها ويعامل بها نفسة وأهلية والآخرين لتكون النتيجة مجتمع أنساني متكامل, يعيش ويتناسل ويموت.
أليست هذه فلسفة ديكارت وهيجل وسارتر ونيتشه ويونغ, أليست هذه التفسيرات والدراسات والأبحاث التي ملئت بها أرفف المكتبات وقاعات الجامعات وفي عصرنا الحديث وسائل الاعلام التقليدية والحديثة, أليست كل هذه التفسيرات هي من أقسى أنواع الضغوطات النفسية والعقلية الفكرية التي ترهق الإنسان عندما يصبح جزءا منها وهو يستخدمها على أنها الوقود والدافع والمحرك في بحثة عن ذاته التي يعتقد جازما أنه يفتقدها ويفقدها وأن هؤلاء الباحثين والفلاسفة والعلماء هم من ساعدوه على العثور عليها, مسكين هذا الإنسان حين يقتص من كتابات هي نتاج جنون بعض العقول ويحولها الى قارب يمتطيه ليبحر فيه في غياهب ظلام لا يستشرق النور في ظلامه أبدا, مسكين هذا الإنسان لو أنه يستطيع استدراك ما يفعل ويعوده لقراءة حيات العلماء الذين يعتبرهم القدوة والمرشد له, ولكي يتمكن من خلالهم العثور على ذاته, ولو أنه فقط , أبصر بعين بصيرته وأغمض عينيه ليشاهد ذلك الواقع الذي عاشه جميع من يقرأ كتاباتهم لأكتشف أنهم جميعا كانوا في نفس حالته الهستيرية والمستميتة في بحثهم عن ذواتهم, وانتهت بهم الحياة دون أن يتوصلوا الى أي دليل يجعلهم يعتقدون أنهم استطاعوا أن يقولوا أننا نحن من صنعنا الإنسان بوعيه وانتمائه, نحن من جعلنا للعقل البشري قيمة ونحن من وضعنا القيم الإنسانية والأخلاقية التي ما أن سلكها الإنسان تمكن من إيجاد ذاته استطاع النجاة من بحر ظلمات الواقع ليلتحق بجمعنا نحن علماء الحياة.
هيه أنت يا إنسان دقق جيدا في نهاياتهم جميعهم لم يستطيعوا التوصل لشيء سوى, أن منهم المنتحر ومنهم من فقد عقلة ومنهم من سجن في قلاع قياصرة وملوك ذاك الزمان. وما تقرأه أنت الآن هو تلك البقايا الفكرية التي استطاعت عقولهم البوح بها على بضع وريقات وتحولت الى مؤلفات عملاقه, و بمجرد فتحها تخطفنا وتجعلنا لاهثين ببحث لا يتوقف علنا نجد ما كانوا يبحثون عنه.
أنت يا صديقي ويا أخي الإنسان, ما تقرأه الآن هو ذات المحرك الفكري الذي يجعلني أتكلم كما لو كنت بينهم وفي عصرهم أجالسهم وأستمع إليهم وأناقشهم, والحقيقة أنها لحظة جنون, ما تقرأه الآن هو كلام عقل قد يكون غير متزن وغير واعي بطبيعة النتيجة الفكرية التي توصل إليها بعد ما قرأ وبحث وحاول جاهدا التوصل الى نتيجة قد يستطيع أن يواسي بها ذاته المفقود.
لذلك أمر الفقد والجنون اللحظي هو ما دفعني لأفرغ هذا الكم الهائل من الأفكار التي باتت ترهقني وتقتلني وتمنعني من الوصول لذاتي.
وما هي ذاتي, وأي ذات وما هو الزمن وأهله الذين أبحث بينهم عن ذاتي الضائعة التي قد تمنحني بعضا من هدوء الحياة وتمنحني سقفا وجدار يقيني برد الشتاء وخيوط شمسها الحارقة, أي تفكير وأي عقل هذا الذي يدفعني لأفكر بهذا الجنون, نعم جنون وهذيان ومواسة لنفس منهكة متعبة جائعة, مسكونة بالوحدة والضياع.
أي جنون هذا الذي وصلت إليه, حيث بت لا أستطيع النظر لوجهي في مرآة الزمن, كل شيء تغير, الوجه مرهق والعيون دامعه والشعر الأبيض بات يلتهم ما تبقى من شبابي دون أن أعيشه. وهنا دعني أخبرك يا صديقي الإنسان بأن تحذر, وتحذر جيدا من السعي المستميت وأنت تبحث عن ذاتك لأنك أن توصلت لكينونة وجودك ستصاب بالجنون ولن تستطيع الفكاك منه فقبضته مستعصية وصفعاته مؤلمة وقرصات جوعه مهلكة. لذلك أحذر يا صديقي الإنسان أن تبحث عن ذاتك, فذاتك كريمة ومشبعة بالقيم الأخلاقية وتحيطها هالة من النورانية التي تستمد طاقتها من روح الله, لهذا أحذر يا صديقي الإنسان في هذا الزمن اللعين أن تتوصل لذلتك.
نعم سأقطع حديثي وأحدثك بحديث الزمن وهذا العصر.
عصر الجنون حيث لا قيم لا أهداف لا إنسانية.
تعريف بسيط أصابك بفقدان التركيز لكنها الحقيقة, وأكثر ما تكرهه يا صديقي الإنسان هي الحقيقة, أنت لا تريد أن تكتشف او تسمع الحقيقة, أنت أضعف ولديك خوف قاتل تجاه سماعك لحقيقة هذا الزمن.
الآن بت أراك تتنفس بصعوبة ولا تستطيع التركيز ولا تمتلك القدرة على سماع المزيد, لكنني أعلم جيدا ما تفكر به أنت لا تستطيع الخروج من عالمك الوهمي الذي يصوره لك عقلك البسيط, ويصنع لك الأماني ويقدمها على هيئة خطوط ترا في الخيال ولا تستطيع لمسها ولا التفاعل معها, بيمنا أنت تشاهد من يعيشها ويتفاعل معها ويقطف لحظات السعادة من خلالها, بينما أنت تشهد ويلتقط عقلك البسيط جميع هذه الإشارات ليحولها الى أفكار وهمية تستطيع أن تملئ بها ساعات يومك الى أن تأتي لحظة الهلاك, هذه هي حقيقتك يا إنسان وهذا هو الوهم الحقيقي والشيء الوحيد الواجب عليك تصديقه والتفاعل معه ومحاربته, هذا هو الوهم المعلب الذي يبتلع سنوات وأيام ولحظات عمرك دون أن تشعر, هذا هو الوهم الساحب وليس له نهاية فقط هو من يمتلك سحر السلو النفسي والسيطرة المطلقة, هو من يستطيع ابتياع عمرك دون ثمن, هو من يستطيع لجمك وجعلك تسير في ركب القطيع, القطيع الذي تحكمه الدونية والصراع على فتات الاحتياج, القطيع الذي ما أن سقطت سيصنع منك حافة علو بسيطة تساعد من وصلت إليك قدماه على رفع رأسه قليلا وللحظة ليتنفس لمرة واحدة هواء غير هواء أنفاس القطيع, هذا هو الحال وهذا هو زماننا, زمن كل شيء فيه قد قتل ويقتل دون توقف, الإنسان يقتل الإنسان دون هدف ودون رادع ومن غير أن يرأف القاتل لحال المقتول, هذا هو زماننا, تسخر آلة الإنسان ليفتك بأخيه الإنسان, قتل ودمار وتشريد, والهدف لا شيء, أجل لا شيء, لأن من يمتلك, أو ما زال يمتلك بضع عقل في رأسه أما أنه سيصاب بلوثة جنون هذا الزمن ويفقدها وأما أن يعتزل هذه البشرية ويسكن أعالي الجبال, كما كان يفعل أنبياء الله, وأما يكون كما كان المفكرون والمؤرخون الذين نقرأ كتاباتهم ومنذ آلاف السنين عن كيفية حياة البشر الذين عاشوا على هذه الأرض في ذاك الزمان, وكيف أنهم فتكوا ببعضهم قتلا وتشريدا وهلاك, لتصل الى نتيجة واحدة أننا في هذا الزمن أو بشر هذا الزمان, لم نتعلم من أخطائهم ولم نستنتج من تاريخهم ما هو حسن ومفيد ليجعل حياة أناس هذا الزمان أفضل وأرقى, وقوانينه العدل والإنسانية والأخلاق, لكن للأسف نحن وكل ما تم استرداده من تاريخ تلك الأمم وحروب تلك الجيوش, أننا تمكنا من تطوير آلتنا الحربية, لأن زمانهم كانت أدوات القتل فيه تعتمد على السيوف وبعض الأدوات التي مهما قتلت تقتل القليل وتنتهي المعركة, لكن زماننا هذا تم تطوير أدوات الهلاك والدمار مآت آلاف المرات, وباتت تحصد في لحظات آلاف الأرواح دون أن تلجم هذه الأدوات القاتلة, وكيفما استدرت في هذا الزمان ستجد الألم والفقد وصراخ الجوعى والمحرومين هو ما يعج به هذا الزمن.
أعلم أنني أرهقتك وأنني أتعبت روحك وأنني صاحب صفعات مؤلمة لكنها الحقيقة وهذا ما أتمناه, أن تكون الحقيقة هي من نواجه بها أنفسنا نحن البشر لكي نستطيع أن نجمل من واقع حياتنا, ونتمكن من أنهاء الألم, الألم الذي يتسبب به الإنسان لأخية الإنسان.
يا الله لماذا حرمتنا السلام , إليك أتوسل وأصلي أمنحنا السلام والأمان .
أسامة حريدين \ Ossama Hreden
This article is a gem! The insights provided are very valuable. For additional information, check out: DISCOVER MORE. Looking forward to the discussion!
Great read! Your perspective on this topic is refreshing. For additional information, I recommend visiting: DISCOVER MORE. What do others think?
An excellent article that kept me engaged from start to finish! The blend of facts and storytelling was spot on. Im excited to discuss this further with anyone interested. Click on my nickname if youd like to explore more related content and discussions!